الصبر لغةً: هو المنع و الحبس، والصبر شرعًا: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن الشكوى، و حبس الجوارح عن المعاصي.
أقسام الصبر ثلاثة و هي:
صبر على المأمور، أي صبر على الطاعة.
صبر على المحظور، أي صبر عن المعصية.
صبر على المقدور، أي على ما قدره الله على العبد من الابتلاءات، والمحن، والمصائب، والفتن.
ما هو الصبر الجميل؟
هو الصبر الذي يبتغي به صاحبه وجه ربه الجليل، فلا يصبر تحرجًا من الناس، ولا يصبر تجملاً حتى يقول الناس صبر، ولا يصبر تحرجًا حتى لا يقول الناس جزع فلان، بل يصبر ابتغاء مرضات الله تبارك وتعالى، يستعلى صاحبه عن الشكوى لغير الله، فالشكوى نوعان: شكوى إلى الله، وشكوى من الله.
أما الشكوى إلى الله فهي من كمال العبودية وتمامها، لقد ذكر الله نبيه يعقوب الذي قال لأولاده: ["فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ". سورة "يوسف" الآية :(18).
ومع ذلك فقد رفع يعقوب شكواه إلى ربه: "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ".
سورة "يوسف": الآية (85).
كما ذكر الله نبيه أيوب و أثني عليه، فقال جل وعلا: "إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ".
سورة "ص": الآية (44)
و مع ذلك فقد رفع أيوب شكواه إلى ربه، فقال: " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ". سورة "الأنبياء": الآية (83)
ومع كل ذلك نجد في زماننا من يشتكي من الله، ويقول أنه دائم الابتلاء وأنه دائمًا مصاب في ولده وماله، فهو يتذكر الألم، وينسى نعم الله الأخرى عليه، قال "ابن منظور" في "لسان العرب": "الرزق هو ما تقوم به حياة كل كائن حي مادي كان أو معنوي".
فالمال رزق وأعظم منه الإيمان، وحب النبي رزق، وحب الصحابة وحب آل البيت رزق، وحب الصالحين والأولياء والأخلاق الحميدة رزق، وحب الزوجة الصالحة والولد الصالح والعلم رزق، وسبحان الرزاق.
ويعرف علماؤنا الصبر فيقولون: الصبر هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة، وقال "ابن القيم": أن الصبر على الطاعة هو أعلى مراتب الصبر. أن تمتثل إلى أمره جل جلاله، وأن تصبر نفسك على ذلك، وأنت في غاية الحب إلى الله ورسوله، والرضا عن الله جل في علاه، "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".سورة "النور": الآية (51).
بشرى للصابرين !
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عليهمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ".
سورة "البقرة": الآيات (155ـ157).
هذه بشري من رب العالمين، و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة في الصحة، في المال، في أي شئ، قالوا: "إنا لله و إنا إليه راجعون"، فجاءت البشرى "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة". ويقول العلماء أن تكرار معنى الرحمة باختلاف اللفظ للتأكيد.
روى "البخاري" عن "عمر بن الخطاب" لما نزلت الآية قال: "نعم العِدْلان و نعم العلاوة"، العِدْلان: هو نصف الحمل على ظهر البعير و العدل النصف الآخر، و العلاوة: هو ما يوضع على ظهر البعير ليحمل العدلين، فالعِدْلان هما الصلوات و الرحمة، والعلاوة التي تزن هذين العدلين هي الهدي.
ويبين الله كرامة الصابرين في الجنة إذ يرسل الله جل وعلا الملائكة لاستقبالهم، والسلام عليهم من كل باب، قال سبحانه: "وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عليهمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عليكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ".
سورة "الرعد": الآيتان (23ـ24).
بل ويبين الله سبحانه و تعالى أن الصبر لا منتهى لأجره، فأي عمل في الدنيا أجره معلوم، إلا الصبر قال سبحانه و تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
سورة "الزمر": الآية (10).
لذا يقول إمام أهل السنة الإمام "أحمد" لقد ذكر الله الصبر في القرآن في تسعين موضعًا إن دل هذا فإنما يدل على شرف الصبر و مكانة الصبر.
الشيخ "محمد حسان"
بلال ملكي